دقّت أكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم ناقوس الخطر من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي تُنذِر بنشوب أزمة نقص إمدادات هذا المعدن الإستراتيجي في الغرب.
ويأتي تحذير الشركة القازاخستانية في وقت يتزايد فيه التقارب بينها وبين روسيا والصين اللتين لا تضيّعان وقتًا للهيمنة على إمدادات اليوارنيوم العالمية، وسط اندفاع دولي لتأمين الوقود النووي؛ ما يهدد أمن الطاقة في الغرب.
وتتنافس الصين ودول أوروبا الغربية والولايات المتحدة على اقتناص نصيب الأسد من إمدادات اليورانيوم الآتية من البلد الواقع في آسيا الوسطى، الذي كان يخضع لسيطرة الاتحاد السوفياتي السابق، ولطالما نُظِر إليه على أنه حديقة خلفية لروسيا.
ووفق بيانات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، يلامس إنتاج قازاخستان من اليورانيوم ما يزيد على 40% من اليورانيوم العالمي، كما تملك احتياطيات ضخمة من معادن استراتيجية أخرى.
تزايد العراقيل
حذّرت كازاتومبروم (Kazatomprom) -أكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم- من أن الحرب الروسية الأوكرانية تزيد من الصعوبات التي تواجهها في تزويد الغرب بهذا المعدن الإستراتيجي، بينما يتنامى فيه التقارب مع موسكو وبكين، وفق ما نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وقال الرئيس التنفيذي لأكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم ميرجان يوسوبوف، إن العقوبات الناجمة عن الحرب قد وضعت العديد من العراقيل أمام تزويد محطات الطاقة النووية الغربية باليورانيوم.
وأضاف يوسوبوف: “من الأسهل بكثير بالنسبة لنا أن نبيع معظم -إن لم يكن كل- إنتاجنا إلى الشركاء الآسيويين –لن أذكر دولة بعينها- الذين بمقدورهم أن يلتهموا كل إنتاجنا، أو حتى نبيع إنتاجنا إلى شركائنا في الشمال”، بتصريحات أدلى بها إلى فايننشال تايمز.
وأوضح: “ومع ذلك، فإنه من الأسهل بكثير بالنسبة لنا أن نبيع إنتاجنا إلى هؤلاء، لكننا لا نرغب في وضع كل البيض في سلة واحدة”.
وترغب أكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم، التي تمتلك فيها الحكومة القازاخستانية 75% من الأسهم، في الإبقاء على التنوع الذي تتّسم به قاعدة عملائها التي تضم منشآت نووية أوروبية وأميركية، حتى على الرغم من أن شحن اليورانيوم في المسار التقليدي الأرخص عبر سانت بطرسبرغ لم يَعُدْ خيارًا بسبب مخاطر العقوبات.
ولطالما سعت كازاتومبروم، المُدرجة في أستانا ولندن، إلى تأسيس طريق بديل لشحن اليورانيوم عبر بحر قزوين وأذربيجان وجورجيا والبحر الأسود، بتكلفة مرتفعة.
صداع روسي
يلامس إنتاج قازاخستان 43% من إجمالي اليورانيوم العالمي؛ ما يعادل الحصة السوقية التي تُنتجها الدول الأعضاء في منظمة أوبك في سوق النفط العالمية.
غير أن التأثير المحتمل الذي تمارسه روسيا على جارتها قازاخستان يمثّل صداعًا في رأس الغرب، والشركاء في تلك الصناعة الإستراتيجية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة نيكس جين إنرجي (NexGen Energy) العاملة –حاليًا- على تطوير مشروع ضخم لتعدين اليورانيوم في كندا لي كوريير: “سوف تشهدون بعض التغييرات”.
وأضاف كوريير: “ربما سيزيد إنتاجُهم لخدمة روسيا والصين، وإذا كان الحال كذلك، فمصانع الغرب ستتطلع إلى مزوّدين عالميين غربيين… وفي تقديري أننا نلحظ علامات على ذلك”، بتصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتمتلك عملاقة الطاقة النووية الروسية روساتوم (Rosatom) حصةً من الأسهم في 5 من مناجم اليورانيوم الـ14 التابعة لأكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم.
وبناءً عليه، تحصل روساتوم على ما نسبته 20% من إنتاج قازاخستان من اليورانيوم، وفق ما قاله الرئيس التنفيذي لشركة كازاتومبروم ميرجان يوسوبوف.
تحديات إضافية
ما يضيف إلى التحديات التي يواجهها الغرب في سوق اليورانيوم العالمية هو أن روسيا والصين تقودان بناء محطات طاقة نووية جديدة عالميًا.
وفي عام 2022، كشفت روساتوم في تقريرها السنوي أن ملكية الشركة التي تستحوذ على حصة تُقدَّر بـ 49% في منجم بودينوفسكوي (Budenovskoye) العملاق الذي تطوره كازاتومبروم، قد نُقِلت إلى كيانات، من بينها شركة يورانيوم وان (Uranium One) التابعة لروساتوم.
وغادر عشرات من كبار المسؤولين التنفيذيين في كازاتومبروم الشركة على مدار العامين الماضيين، في حين نفت أكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم أن يكون رحيلهم ذا صلة بأيّ حال ببيع الحصة المذكورة.
وفي معرض تعقيبه على توغّل شركة روساتوم استثماريًا بأكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم، قال الرئيس التنفيذي لشركة كازاتومبروم ميرجان يوسوبوف: “لا يُعدّ هذا مصدر قلق كبيرًا”، مشيرًا إلى تراجع مستويات الاعتماد المتبادل بين روسيا وقازاخستان في هذا الخصوص، مقارنةً بقطاع النفط والغاز.
واستدرك يوسوبوف: “لكن، هناك بالطبع، قلق، ونحن لا ننكر ذلك”، بتصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتأتي تصريحات يوسوبوف بعدما خفضت الشركة في شهر أغسطس/آب (2024) توقعات إنتاجها لعام 2025 بنسبة 17%، مبررةً ذلك بنفص حمض الكبريتيك اللازم لاستخراج اليورانيوم، وتأخيرات البناء الخاصة بالمنشآت والبنية التحتية السطحية.
صادرات كازاتومبروم
لامست صادرات أكبر شركة لتعدين اليورانيوم في العالم من هذا المعدن إلى آسيا 49%، بينما بلغت صادراتها إلى أوروبا 32%، و 19% إلى السوق الأميركية، في العام الماضي (2023)، وفق أحدث تقاريرها السنوية.
وفي هذا الصدد، قال الرئيس التنفيذي لشركة كازاتومبروم ميرجان يوسوبوف: “نحن في منتهى الجدّية بشأن تنويع المناطق الجغرافية لمبيعاتنا”.
من جهتها، قالت الشريكة في شركة بريزم بوليتيكال ريسك مانجمنت (Prism Political Risk Management) كاتي مالينسون، إن قازاخستان تقع تحت وطأة ضغوط متنامية من روسيا والصين لتقييد علاقاتها مع البلدان الغربية، لا سيما منذ أن غادرت القوات الأميركية أفغانستان في عام 2021.
وأضافت مالينسون: “هذا ينطبق خصوصًا على اليورانيوم، التي تؤدي فيه قازاخستان دورًا محوريًا بسلاسل الإمدادات العالمية”، بتصريحات رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
وتابعت: “عززت روسيا حصتها في إنتاج اليورانيوم في قازاخستان، وتخصص الأخيرة حصصًا أكبر من إمداداتها إلى السوق الصينية؛ ما يترك علامات استفهام خطيرة على المدى البعيد بشأن كمية اليوارنيوم التي ستكون متاحة في الأسواق الغربية”.
موضوعات متعلقة..
- تعاون نووي جديد.. قازاخستان تزوّد الصين بـ30 طنًا من اليورانيوم (تقرير)
- قازاخستان.. إضراب عمال النفط والمحطات النووية يهدد الإنتاج
- الطاقة النووية.. الصين تخطط لتدشين مفاعلات تفوق قدرات العالم
اقرأ أيضًا..