حققت صناعة السيارات في نيوزيلندا انتصارًا في معركة معايير انبعاثات الكربون، ما أثار المخاوف من الإضرار بأهداف المناخ، وفق تحديثات القطاع لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وأظهرت الوثائق أن وزير النقل سيميون براون، اعتمد معايير أضعف لانبعاثات الكربون في الوقت الحالي، لتلبية الموعد النهائي المفضل لصناعة السيارات.
وكشفت رسائل البريد الإلكتروني الأخرى التي أصدرتها وزارة النقل، عن أن مسؤولي البيئة حاولوا في اللحظة الأخيرة تحذير مجلس الوزراء من أن هذه الخطوة تخاطر بإفشال أهداف المناخ في البلاد.
كانت نيوزيلندا وأستراليا آخر الدول المتقدمة التي أدخلت معايير انبعاثات العادم على الواردات، باستثناء روسيا.
معايير انبعاثات الكربون في نيوزيلندا
صُممت معايير انبعاثات الكربون لمنع نيوزيلندا من أن تصبح أرضًا لإلقاء المركبات التي تستهلك كميات كبيرة من البنزين، والتي لم تعد الدول الأخرى تريدها، من خلال مطالبة المستوردين بإحضار مزيج من السيارات الكوبيه الصغيرة والسيارات الثقيلة ذات الانبعاثات العالية جنبًا، إلى جنب مع النماذج الكهربائية والهجينة الأصغر.
في عام 2019، قدر تحليل الفوائد والتكاليف أن المعايير ستوفر على النيوزيلنديين ما بين 1.2 مليارًا و4.7 مليار دولار على مدى 20 عامًا، بما في ذلك نحو 7 آلاف دولار سنويًا لكل مركبة في توفير الوقود.
وصُممت القواعد لتصبح أكثر صرامة بمرور الوقت، لتلحق في النهاية بالسلطات القضائية الرائدة في أوروبا وأماكن أخرى.
ووفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، فشلت جهود الضغط المتضافرة من قبل مجموعات صناعة السيارات الكبرى في وقف إدخال المعايير، لكن الصناعة نجحت في إضعافها خلال العام الجاري (2024)، بعد أن وعد الحزب الوطني “بإعادة تقييمها”.
وستتأخر معايير انبعاثات الكربون في نيوزيلندا الآن عن أوروبا بنحو 5 سنوات والولايات المتحدة بنحو عامين؛ وستتماشى مع أستراليا، حيث أُضعفت القواعد الواردة أيضًا بعد مقاومة صناعة السيارات.
وأظهرت الوثائق التي أصدرتها وزارة النقل أن المسؤولين نصحوا الوزير سيميون براون بإعطاء مجلس الوزراء مهلة حتى 31 يوليو/تموز لاتخاذ قرار بشأن النصيحة بتعديل القواعد، ما من شأنه أن يسمح بمزيد من الوقت للنظر في الخيارات.
لكن صناعة السيارات أرادت اتخاذ قرار في يونيو/حزيران، ودفع “براون” بقرار أسرع.
وأُعلن تغيير المعايير للجمهور في أوائل يوليو/تموز، بعد أن مُررت التغييرات القانونية اللازمة من خلال البرلمان على وجه السرعة.
وقال براون إنه اتخذ القرار عندما فعل ذلك لإعطاء المستهلكين والصناعة اليقين وتخفيف ضغوط تكاليف المعيشة، وفق ما نقلته منصة “راديو نيوزيلندا” (RNZ).
عقوبات ضخمة مرتقبة
أجرت وزارة النقل في نيوزيلندا مشاورات واسعة النطاق قبل تقديم المعايير الأصلية، بما في ذلك الحصول على تحليل مستقل من الخارج.
ووفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، أظهرت الوثائق أن توريد السيارات الكهربائية كان يسير بشكل أبطأ مما كان متوقعًا عند كتابة القواعد؛ لكن واردات السيارات الكهربائية كانت متقدمة على التوقعات بسبب إعانات الحكومة السابقة.
وكشفت الوثائق عن أن براون وجه مسؤوليه بالتواصل مع 3 مجموعات فقط حول الجدول الزمني ونطاق المراجعة: رابطة صناعة السيارات، ورابطة صناعة السيارات المستوردة، ورابطة تجارة السيارات.
وتضمنت تلك المجموعات أشد المعارضين للمعايير التي قُدمت؛ وخلص مسؤولو النقل بعد التشاور إلى أن الأهداف غير قابلة للتحقيق.
وأخبرت رابطة صناعة السيارات المسؤولين بأنه ما لم يجرِ إضعاف المعايير، فإن ثلاثة أرباع الواردات ستجتذب عقوبات في عام 2027، وسينقل المستوردون تكاليف قدرها 5 آلاف دولار لكل مركبة إلى المشترين الجدد، بإجمالي 800 مليون دولار من العقوبات.
وقالت رابطة صناعة السيارات المستوردة إنه في المدّة 2025-2027، يمكن للمستوردين الحصول على ما لا يزيد على 4-6 آلاف مركبة كهربائية تعمل بالبطارية من اليابان، وسيكون من المستحيل تقريبًا الحصول على مركبات هجينة مستعملة للتعويض عن انخفاض واردات المركبات الكهربائية.
كان جزءًا من السبب هو إلغاء الدعم الوطني للسيارات الكهربائية.
وقالت المجموعات إنه مع انهيار مبيعات السيارات الكهربائية بعد نهاية خصم السيارات النظيفة، فقد نفدت الاعتمادات الفائضة التي تراكمت لديهم من استيراد السيارات الكهربائية.
وقال بيان صحفي أصدره براون للإعلان عن القواعد الأضعف، إن المسؤولين أبلغوه بالعقوبات التي تبلغ 800 مليون دولار، والتي تلوح في الأفق إذا لم تتغير القواعد.
وقال البيان: “وجدت المشورة التي قدمتها لي وزارة النقل أنه بموجب الأهداف الحالية التي حددتها الحكومة السابقة، من المتوقع أن تبلغ العقوبات ما يقرب من 800.6 مليون دولار من التكلفة التي يتحملها المستهلكون الذين يشترون سيارة جديدة في عام 2027، والتي تبلغ نحو 5549 دولارًا لكل مركبة”.
التداعيات على انبعاثات الكربون
قدّر مسؤولو النقل أن إضعاف المعايير قد يضيف ما يصل إلى مليوني طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، من العام الجاري (2024) حتى عام 2050.
ورأوا أن مستوى الانبعاثات على مدى أكثر من 20 عامًا غير مهم في مخطط أهداف المناخ في البلاد، خاصةً بالنظر إلى أنهم ما زالوا يتوقعون أن المعايير المتبقية ستوفر أكثر من 9 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون.
وأخبروا “براون” بأنه من غير المرجح أن تحقق المعايير الأصلية فوائدها المناخية المقدرة بالكامل على أي حال، لأن صناعة السيارات لم تكن لتتمكن من تحقيقها.
لكن نظراءهم في وزارة البيئة يعتقدون أن النمذجة المناخية “أغفلت فارقًا مهمًا”.
بعد رؤية النمذجة، حاولت الوزارة دون جدوى تغيير نصيحتها لمجلس الوزراء، من أجل التحذير من أن التغييرات قد تجعل من الصعب “ماديًا” تلبية أهداف المناخ في البلاد.
وقال مستشار بيئي لنظيره في النقل عبر البريد الإلكتروني: “مع النمذجة المحدثة، لم يعد تعليق وكالتنا دقيقًا، ويحتاج إلى التحديث”.
وجاء في المشورة المحدثة لمجلس الوزراء: “إن خفض الطموح بشكل كبير من الأهداف القصيرة الأجل لا ينبغي أن يكون الخيار الوحيد الذي يُنظر فيه خلال الرد على عدم تحقيق هذه الأهداف”.
وتابعت: “ترى الوزارة أيضًا أن تحليل تأثيرات التغييرات المقترحة في مزيج واردات المركبات والانبعاثات المرتبطة بها يغفل فارقًا مهمًا.. ترى الوزارة أن التغييرات المقترحة ستجعل تحقيق ميزانيتي الانبعاثات الثانية والثالثة أكثر صعوبة بشكل ملموس، في سياق حيث يمثل تلبية هذه الميزانيات تحديًا بالفعل”.
موضوعات متعلقة..
- قصة تعثر الحياد الكربوني في نيوزيلندا.. كيف تحول المسعى الأعمى إلى أزمة؟
- أول بطارية ضخمة لتخزين الكهرباء في نيوزيلندا تبنيها شركة فرنسية
- نيوزيلندا تواجه تغير المناخ بأول خطة وطنية للحماية من آثاره الكارثية (تقرير)
اقرأ أيضًا..
- التشاؤم يسود توقعات الطلب على النفط عالميًا (تقرير)
- تقرير يكشف توقعات الطلب على الغاز في الشرق الأوسط وأفريقيا
- هل إنتاج الهيدروجين الأخضر خالٍ من الانبعاثات؟ دراسة تجيب
- أنس الحجي: الطلب على النفط لا يتأثر بانتشار السيارات الكهربائية
إقرأ: صناعة السيارات في نيوزيلندا تفوز في معركة معايير انبعاثات الكربون