طاقة

إنتاج الغاز الروسي يعزز دور موسكو في سوق الطاقة العالمية (مقال)

يعزز نمو إنتاج الغاز الروسي، في عام 2024، دور موسكو الملحوظ في سوق وأمن الطاقة العالميين، وبدءًا من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول الماضيين، زادت روسيا الاتحادية إنتاجها من الغاز بنسبة 8.9%، بإجمالي 516.6 مليار متر مكعب، وكانت شركة غازبروم الروسية مسؤولة عن معظم هذه الزيادة.

ويؤكد النمو في الإنتاج، الذي يلبي إلى حد كبير الطلب المحلي، الدور المستمر لروسيا في سوق الطاقة العالمية ويسلط الضوء على تحولها الإستراتيجي من الاتحاد الأوروبي نحو الأسواق الآسيوية، خصوصًا الصين والهند.

وبالنظر إلى إعادة روسيا توجيه صادراتها من الطاقة بعيدًا عن الغرب وسط العقوبات المستمرة والتوترات الجيوسياسية؛ فإن ديناميكيات السوق العالمية، خصوصًا في قطاع الطاقة، تتشكل إلى حد كبير من خلال سياسات روسيا.

ويكشف هذا التحليل الشامل عن جوانب إستراتيجية إنتاج الغاز الروسي والتأثيرات المتتالية التي تولدها في أمن الطاقة الأوروبي وديناميكيات السوق الآسيوية والنظام العالمي المتطور.

الفصل الأول: ديناميكيات إنتاج الغاز الروسي في عام 2024

في الأشهر الـ9 الأولى من عام 2024، بلغ إنتاج الغاز الروسي 516.6 مليار متر مكعب، بزيادة قدرها 8.9% عن المدة نفسها من العام السابق.

وأدت شركة غازبروم الروسية Gazprom دورًا محوريًا في هذا الارتفاع، بزيادة قدرها 13.9% على أساس سنوي، بإجمالي 329.5 مليار متر مكعب.

ويتماشى تعزيز إنتاج غازبروم مع التحول الإستراتيجي نحو تلبية احتياجات روسيا الداخلية من الطاقة وإيجاد طرق تصدير بديلة لتعويض خسائر الأسواق الأوروبية.

ويعكس الارتفاع الأوسع في إنتاج الغاز الروسي زيادة في الاستهلاك المحلي، مدفوعًا في المقام الأول بنمو بنسبة 4.4% على أساس سنوي في الطلب من المحطات الكهروحرارية الروسية؛ ما جعل احتياجات الطاقة المحلية أولوية.

إحدى منشآت تخزين الغاز التابعة لشركة غازبروم الروسية
إحدى منشآت تخزين الغاز التابعة لشركة غازبروم الروسية – الصورة من بلومبرغ

بدورها، شهدت شركة نوفاتك NOVATEK وغيرها من المنتجين المستقلين نموًا معتدلًا، على الرغم من أن إنتاج نوفاتك كان مدفوعًا إلى حد كبير بالطلب المحلي، مع فرض قيود على مشروع الغاز المسال أركتيك 2.

وعلى الرغم من التحديات التشغيلية التي يواجهها مشروع الغاز المسال في القطب الشمالي بسبب العقوبات الأميركية؛ فقد بلغ إنتاجه ذروته في سبتمبر/أيلول الماضي.

ويسلط النمو المحدود بين المنتجين الآخرين، مثل لوك أويل LUKOIL وسورغوتنفط غاز Surgutneftegaz، الضوء على الطبيعة غير المتوازنة للقطاع؛ إذ تجدر الإشارة إلى أن اللاعبين الأصغر يواجهون عقبات في زيادة الإنتاج بسبب قيود تحالف أوبك+ على النفط، ما يحد بدوره من إنتاج الغاز المصاحب.

ويؤكد التركيز شبه الحصري لشركة غازبروم على السوق المحلية، إلى جانب الصادرات المتزايدة إلى البلدان غير الأوروبية، التأثير الكبير للحرب بين روسيا وأوكرانيا في إستراتيجية تصدير الغاز الروسي.

لذلك اضطرت روسيا، التي كانت في السابق موردًا رئيسًا لأوروبا، إلى إعادة معايرة إطار إنتاجها وتصديرها، والتركيز الآن على تلبية الاحتياجات المحلية مع استكشاف الشراكات مع الأسواق الشرقية.

وينعكس التركيز الداخلي بشكل أكبر في التحولات السياسية، مثل التعديلات في ضريبة استخراج المعادن وآلية تخميد الوقود، بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار المحلية.

رغم ذلك؛ فقد أدت هذه الزيادة في الإنتاج إلى درجة من الضغط على حدود حرق الغاز في روسيا؛ إذ تظل سبل التصدير مقيدة، خصوصًا فيما يتعلق بالطرق إلى أوروبا.

الفصل الثاني: التداعيات الاقتصادية والمالية لإستراتيجية الطاقة الروسية

تعتمد الصحة المالية للحكومة الروسية بشكل متزايد على إيرادات قطاع النفط والغاز الروسي، التي شكلت 31.7% من الدخل الاتحادي في عام 2024، وهو ما يتجاوز التوقعات المخطط لها قليلًا.

ويتركز هذا الاعتماد في ضرائب استخراج المعادن، التي تشكل الآن أكثر من 83% من إيرادات النفط والغاز.

تاريخيًا، كان اعتماد روسيا على إيرادات الهيدروكربون متقلبًا، إلا أن السياسات المالية الأخيرة سعت إلى تثبيت هذه المساهمات في ظل العقوبات المتزايدة.

في المقابل، فإن هذا الاعتماد يمثل ضعفًا ماليًا كبيرًا مع استمرار الأسواق العالمية، خصوصًا في أوروبا، في ظل تحولها نحو مصادر الطاقة المتجددة.

من ناحيتها، أشارت الحكومة الروسية إلى نيتها في الحد من هذا الاعتماد؛ حيث تشير التوقعات المالية إلى انخفاض حصة إيرادات النفط والغاز على مدى السنوات الـ3 المقبلة.

من خلال زيادة ضريبة دخل الشركات من 20% إلى 25% في عام 2025، تهدف روسيا إلى توسيع قاعدتها الضريبية وتقليل اعتمادها على صادرات الطاقة.

وتؤدي إعانات الوقود وآلية التخميد دورًا رئيسًا في حماية الاقتصاد المحلي من أسعار الطاقة المتقلبة، وتقلل بشكل كبير من صافي إيرادات النفط والغاز.

وتعمل الإعانات كوسادة اقتصادية تضمن استقرار الأسعار محليًا، خصوصًا بالنسبة للبنزين والديزل، إذ تُعد الإعانات ضرورية لتعويض الضغوط التضخمية، خاصة أن الحكومة تتوقّع انخفاض إيرادات النفط والغاز من المستويات الحالية البالغة 11.3 تريليون روبل (113 مليار دولار) في عام 2024 إلى 9.8 تريليون روبل (98 مليار دولار) بحلول عام 2027.

(الروبل الروسي = 0.010 دولارًا أميركيًا)

ويكشف التخفيض المرتقب عن نية روسيا عزل اقتصادها عن تقلبات سوق الطاقة، على الرغم من أن هذا الاستقرار مشروط بالنمو المستدام لمصادر الإيرادات غير النفطية.

منشأة نفط وغاز تابعة لشركة غازبروم في جمهورية ساخا الروسية
منشأة نفط وغاز تابعة لشركة غازبروم في جمهورية ساخا الروسية – الصورة من بلومبرغ

ودفع قطاع النفط إلى زيادة كبيرة في إيرادات موازنة روسيا من النفط والغاز هذا العام؛ إذ ارتفعت إيرادات النفط وحدها بمقدار 1.6 مرة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول الماضيين مقارنة بالمدة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 6.5 تريليون روبل.

وارتفعت المساهمات من ضرائب استخراج المعادن بشكل ملحوظ؛ حيث نمت بمقدار 1.5 مرة إلى 9.3 تريليون روبل، وتضاعفت إيرادات ضريبة الأرباح الإضافية إلى 1.6 تريليون روبل.

وزادت المدفوعات من ضريبة الاستهلاك العكسي، المصممة لتثبيت أسعار الوقود محليًا، بنسبة 42.2%، بإجمالي 2.8 تريليون روبل.

على صعيد آخر، شهدت صناعة الغاز الروسية نموًا أكثر تواضعًا في مساهمات الموازنة؛ حيث ارتفعت إيرادات ضريبة استخراج المعادن ورسوم التصدير بنسبة 8.6% إلى 1.4 تريليون روبل.

والجدير بالذكر أن ضريبة استخراج المعادن على إنتاج الغاز الروسي ارتفعت بنسبة 22.3% إلى 1.1 تريليون روبل، في حين انخفضت إيرادات رسوم التصدير بنسبة 23.2% بسبب انخفاض أسعار تصدير الغاز.

كما شهدت إيرادات استخراج مكثفات الغاز النمو الأكثر وضوحًا؛ حيث زادت بمقدار 1.7 مرة إلى 498.4 مليار روبل.

وبحسب مشروع الموازنة للسنوات المقبلة، تتوقع الحكومة مزيدًا من النمو في إيرادات ضريبة استخراج المعادن، التي من المتوقع أن تصل إلى 12.6 تريليون روبل في عام 2024، مدفوعة إلى حد كبير بإنتاج النفط والغاز ومكثفات الغاز.

وتعكس التوقعات المالية لوزارة المالية الروسية موقفًا حذرًا، مع الاعتراف بالمخاطر الاقتصادية المحتملة المرتبطة بأسواق الطاقة وتأثير العقوبات.

ويتماشى الانخفاض التدريجي في مساهمة إيرادات النفط والغاز بالموازنة مع الإصلاحات الاقتصادية الكلية الأوسع نطاقًا التي تهدف إلى حماية الاقتصاد من صدمات الأسعار المستقبلية.

من ناحية ثانية، فإن أي انخفاض مفاجئ في الطلب من الأسواق الرئيسة مثل الصين أو الهند من شأنه أن يزعزع استقرار هذه التوقعات؛ ما يُشكِّل خطرًا كبيرًا على الصحة المالية لروسيا ومرونتها الاقتصادية؛ ومن ثم فإن تعديلات السياسة الحكومية، خصوصًا في هياكل ضريبة الطاقة، تشكل أهمية بالغة في التعامل مع بيئة السوق التي أصبحت غير قابلة للتنبؤ على نحو متزايد.

الفصل الثالث: إعادة توجيه الصادرات إلى الأسواق الآسيوية

ردًا على العقوبات وانخفاض الطلب الأوروبي، أعادت روسيا تنظيم صادراتها من الطاقة شرقًا؛ حيث تشكل أسواق آسيا والمحيط الهادئ الآن ركيزة إستراتيجيتها التجارية.

وبحلول عام 2025، تتوقّع وزارة الطاقة الروسية أن تستوعب منطقة آسيا والمحيط الهادئ 67.4% من صادراتها، ما يمثل إعادة توجيه كبيرة لإطار التجارة الروسي.

وقد أدّى هذا التحول إلى تعميق التعاون في مجال الطاقة مع الصين، خصوصًا من خلال خط أنابيب باور أوف سيبيريا، الذي شهد زيادة بنسبة 30% في صادرات الغاز إلى الصين على أساس سنوي.

وفي الوقت نفسه، تظل البنية التحتية الروسية للصادرات الآسيوية، بما في ذلك السفن العابرة للجليد للشحنات في القطب الشمالي، محدودة؛ ما يقيد الإمكانات الكاملة لهذا المحور.

وتشكل صناعة بناء السفن في الشرق الأقصى، التي تتركز حول حوض بناء السفن زفيزدا، جزءًا لا يتجزأ من طموحات طريق البحر الشمالي الروسي، التي تعتمد على زيادة صادرات الغاز المسال عبر ممرات الشحن في القطب الشمالي.

ويوفر طريق البحر الشمالي لروسيا مسار تصدير بديلًا؛ ما يعزز قدرتها على خدمة الأسواق الآسيوية.

رغم ذلك؛ فإن الطلب على السفن العابرة الجليد اللازمة للعمليات على مدار العام في القطب الشمالي يتجاوز بكثير القدرة الإنتاجية الحالية لروسيا.

وعلى الرغم من أن الحكومة أعلنت خططًا لبناء أحواض بناء سفن جديدة في الشرق الأقصى وبنية أساسية إضافية في القطب الشمالي؛ فإن مثل هذه الاستثمارات تتطلب الوقت والتمويل الكبير.

ويُشكِّل البناء المتوقّع لـ200 سفينة بحلول عام 2030 خطوة نحو تلبية هذا الطلب، إلا أن القدرة المحدودة في أحواض بناء السفن القائمة تعني أن تحقيق هذا الهدف من المرجح أن يتطلب شراكات دولية أو تمويلًا خارجيًا.

وتشكل المنافسة داخل سوق الطاقة في آسيا، خصوصًا مع المنتجين في الشرق الأوسط مثل قطر، تحديًا آخر. وتمثل مشروعات قطر الضخمة لتوسيع الغاز المسال واستثماراتها في ناقلات الغاز المسال العابرة للجليد تهديدًا تنافسيًا لخطط التوسع الروسية.

ومن ثم فإن اعتماد روسيا على الأسواق الآسيوية يقدم نقاط ضعف جديدة؛ إذ يمكن أن يكون للتحولات في الطلب داخل هذه المناطق تأثير كبير في استقرار الطاقة الروسية.

وبالنظر إلى زيادة الدول الآسيوية لاستثماراتها في الطاقة المتجددة؛ فإن التركيز المستمر لروسيا على الوقود الأحفوري قد يحد من جاذبيتها بوصفها شريكًا طويل الأجل في مجال الطاقة.

وفي الوقت الحالي، تتوخى المصارف الهندية الحذر بشأن تسهيل التجارة مع الشركات الروسية، وتخشى العقوبات الثانوية المحتملة من الولايات المتحدة، حسبما أشار السفير الروسي دينيس عليبوف.

وأكد عليبوف ضرورة أن يكون لدول مجموعة البريكس -بما في ذلك روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا- صوت عادل في الشؤون الاقتصادية العالمية.

وعلى الرغم من أن الهند لم تفرض عقوباتها الخاصة على روسيا؛ فإن الشركات تخاطر بالحظر من الأسواق الأميركية إذا انتهكت العقوبات القائمة.

حقل نوفوبورتوفسكوي للنفط والغاز التابع لشركة غازبروم في خليج أوب
حقل نوفوبورتوفسكوي للنفط والغاز التابع لشركة غازبروم في خليج أوب – الصورة من وكالة فرانس برس

من جهته، يواجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، مهمة صعبة لتحقيق التوازن بين الحفاظ على العلاقات الإستراتيجية مع كل من روسيا، مصدر النفط المخفض، والولايات المتحدة، التي تقدم استثمارات بالغة الأهمية وتكنولوجيا متقدمة.

وقد بلغ حجم التجارة بين الهند وروسيا 65.7 مليار دولار في عام 2024، مدفوعة إلى حد كبير بمشتريات النفط المخفضة، على الرغم من تأخر صادرات الهند عند 4.26 مليار دولار، ما يسلط الضوء على اختلال التوازن ويثير دعوات لتعزيز مبادرات التجارة الثنائية.

وفي الوقت نفسه، أدى الانخفاض الموسمي في الطلب على الوقود، الذي تفاقم بسبب الرياح الموسمية القوية، إلى زيادة الضغط على صناعة التكرير في الهند.

وانخفضت أرباح شركة إنديان أويل IndianOil ربع السنوية بنسبة 98.6% على أساس سنوي؛ حيث تراجعت هوامش التكرير من 13.12 دولارًا إلى 4.08 دولارًا للبرميل.

ويُلاحَظ هذا الاتجاه الضعيف للطلب في جميع أنحاء آسيا؛ ما يؤثر في هوامش التكرير ويؤكد التحديات التي تواجهها صناعة النفط العالمية؛ حيث تؤدي أسعار الخام الروسي المرتفعة وتضييق الخصومات إلى تآكل الربحية في الأسواق الرئيسة.

الفصل الرابع: التداعيات الجيوسياسية والأمنية

تحمل إعادة توجيه الصادرات الروسية بعيدًا عن أوروبا تداعيات كبيرة على أمن الطاقة في أوروبا وآسيا، وكذلك على سوق الطاقة العالمية.

بالنسبة لأوروبا، يمثل تركيز روسيا على الأسواق الشرقية انخفاضًا جزئيًا في النفوذ الروسي على إمدادات الطاقة الأوروبية.

رغم ذلك، تظل روسيا قوة عالمية في مجال الطاقة، ويسهم نمو إنتاج الغاز الروسي المستمر بشكل غير مباشر في ديناميكيات الطاقة الأوروبية، خصوصًا في تحديد الأسعار وتوافر الإمدادات.

وأدت جهود أوروبا للحد من الاعتماد على الغاز الروسي إلى إستراتيجيات التنويع التي تشمل التوسع في الطاقة المتجددة وزيادة واردات الغاز المسال من مصادر غير روسية.

ولا يزال الانفصال الكامل عن الغاز الروسي يشكل تحديًا، بالنظر إلى تأثير العرض الروسي في أسعار السوق العالمية وتدفقات الطاقة.

وتُعد التأثيرات السوقية العالمية لتحول روسيا نحو الشرق واضحة خصوصًا في آسيا، حيث تتنافس روسيا، حاليًا، مع مصدري الطاقة الراسخين على حصة من أسواق الطاقة الصينية والهندية المتنامية.

وتعطي إستراتيجية الطاقة الصينية الأولوية بشكل متزايد للواردات الروسية حيث تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة وسط التوترات التجارية مع الغرب.

ويفرض دور الصين بصفتها سوقًا مهمة للطاقة الروسية تبعات جيوسياسية جديدة؛ حيث إن أي توتر في العلاقات الصينية الروسية من شأنه أن يُشكِّل خطرًا كبيرًا على الاستقرار الاقتصادي في روسيا.

من جهتها، تمثل الهند سوقًا متنامية، ولو أن موقعها بصفتها قوة موازنة في آسيا يعني أنها تظل حذرة بشأن تعميق الاعتماد على الطاقة الروسية.

وقد عززت توجهات الطاقة الروسية تحالفها الإستراتيجي مع دول مجموعة البريكس، ما وضع المجموعة في موقف موازن لسياسات الطاقة الغربية والقيود التجارية.

ومن شأن توسيع تعاون مجموعة البريكس في قطاع الطاقة أن يفرض ضغوطًا على حوكمة الطاقة العالمية، ما يشكل تحديًا للهيمنة التقليدية للمؤسسات التي يقودها الغرب.

رغم ذلك، فإن هذا التحالف يكشف عن مجموعة من نقاط الضعف لديه، في حالة حدوث تحولات جيوسياسية داخل مجموعة البريكس، خصوصًا إذا أعادت الهند تقييم علاقتها الإستراتيجية مع روسيا؛ فقد يتعرض استقرار صادرات روسيا الشرقية للتهديد.

ومن ثم فإن الشراكة مع دول مجموعة البريكس تحمل فوائد محتملة لروسيا، ولكنها تتطلب إدارة دقيقة للعلاقات الدبلوماسية لضمان الطلب المستقر.

وتتعارض الآثار البيئية المترتبة على نموذج التصدير الروسي الذي يركز على الوقود الأحفوري مع جهود إزالة الكربون العالمية، خصوصًا داخل أوروبا؛ حيث تُعطَى الأولوية للطاقة المتجددة بشكل متزايد.

من ناحية ثانية، فإن التفاوت بين سياسات الطاقة الروسية والأهداف البيئية العالمية يضع روسيا عقبةً محتملة في المبادرات المناخية الدولية.

وقد تؤدي الجهود المحدودة التي تبذلها روسيا لتطوير البدائل الخضراء، مثل الهيدروجين الأخضر، إلى خلاف مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الجهات الفاعلة العالمية التي تدفع باتجاه أنظمة طاقة أكثر استدامة. وقد تؤثر سياسات روسيا البيئية في نهاية المطاف في جاذبيتها بصفتها شريكًا تجاريًا، خصوصًا بين الدول التي لديها التزامات صارمة بخفض الكربون.

ناقلة الغاز المسال الروسي "نيكولاي أورفانتسيف" تفرغ حمولتها بميناء بلباو في إسبانيا
ناقلة الغاز المسال الروسي “نيكولاي أورفانتسيف” تفرغ حمولتها بميناء بلباو في إسبانيا – الصورة من رويترز

الخلاصة: العواقب الإستراتيجية والجيوسياسية لتحول روسيا في مجال الطاقة

تسلط الزيادة في إنتاج الغاز الروسي طوال عام 2024 وإعادة تنظيمه نحو الأسواق الآسيوية الضوء على تحول عميق في دور روسيا داخل نظام الطاقة العالمي.

ومن خلال الابتعاد عن الأسواق الأوروبية، رسّخت روسيا علاقاتها الاقتصادية مع آسيا، خصوصًا مع الصين والهند، التي أصبحت ضرورية لاستدامة صادرات الطاقة الروسية.

وتأتي إعادة التنظيم الإستراتيجي هذه مع مخاطر متأصلة؛ حيث يؤدي الاعتماد على عدد أقل من الأسواق إلى ظهور نقاط ضعف جديدة، خصوصًا في سياق الطلب المتقلب والاحتكاكات الدبلوماسية المحتملة.

بالنسبة لأوروبا، يمثل الدور المتضائل لروسيا بصفتها موردًا رئيسًا للطاقة نقطة تحول محتملة في أمن الطاقة الأوروبي.

وتعمل الدول الأوروبية على تسريع تحولاتها في مجال الطاقة، مع التركيز على المصادر المتجددة وواردات الغاز المسال المتنوعة لحماية نفسها من المخاطر الاقتصادية والسياسية المرتبطة بالطاقة الروسية.

ويؤكد التأثير المستمر لإنتاج الغاز الروسي في أسعار الطاقة العالمية أن تحديات أمن الطاقة في أوروبا بعيدة كل البعد عن الحل.

إزاء ذلك، تظل السوق العالمية متشابكة، وأي تحولات في الطلب الآسيوي قد تتردد في أنظمة الطاقة الأوروبية، بالنظر إلى الترابط بين أسواق الغاز المسال.

ويشير التوافق الإستراتيجي لروسيا مع مجموعة البريكس، إلى جانب توسع البنية التحتية في القطب الشمالي، إلى التزام طويل الأجل بدعم اقتصاد تصدير الطاقة.

وتجدر الإشارة إلى أن غياب سياسات التحول الأخضر والتحديات المرتبطة بالحفاظ على اقتصاد يهيمن عليه الوقود الأحفوري في عصر الوعي المناخي قد تحد من جاذبية روسيا بصفتها شريكًا تجاريًا.

وتزيد الضغوط التنافسية من المنتجين في الشرق الأوسط والعقبات اللوجستية التي تفرضها قيود البنية التحتية من تعقيد إستراتيجية التصدير الروسية.

وفي مشهد عالمي يتسم بالتحولات في مجال الطاقة، والمنافسة الإقليمية، والمخاوف الأمنية المتزايدة، ستؤدي إستراتيجية الطاقة الروسية دورًا حاسمًا في تشكيل المستقبل الجيوسياسي والاقتصادي.

وسيحدد التفاعل بين أولويات الإنتاج المحلي في روسيا، وإعادة توجيه صادراتها نحو الشرق، وضغوط إزالة الكربون العالمية، نفوذها على مدى العقود المقبلة.

ختامًا، فإن نمو إنتاج الغاز في روسيا يؤثر في مرونتها الاقتصادية، وستكون له آثار بعيدة المدى في أمن الطاقة، واستقرار السوق، والسياسة البيئية على نطاق عالمي.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

اقرأ أيضًا..

إقرأ: إنتاج الغاز الروسي يعزز دور موسكو في سوق الطاقة العالمية (مقال) على منصة الطاقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى